الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق أرسله بالعلم النافع والعمل الصالح ليظهره على الدين كله وأعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر شهادة له بصدقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وملكه وحكمه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بلغ ما أنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه صلى الله عليه وعلى آله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه وسلم تسليما كثيرا

الشريعة الإسلامية جاءت تنظم للناس العبادات والمعاملات - التحذير من كسب المال بالطرق المحرمة (خطبة)لمحمد بن صالح العثيمين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضِل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأسأل الله تعالى بِمَنِّه وكرمه أن يجعلني وإياكم مِمّن اتّبعوهم بإحسان .

أما بعد:

فقد قال الله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيمًا (27) يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 27-28]، هكذا يقرّر الله تعالى هذه الكليّة العامة الشاملة لكل إنسان أن كل إنسان خُلِق ضعيفًا، فهو ضعيفٌ في نشأته، فقد خلقه الله من طين، ﴿ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ [السجدة: 8]، وهو ضعيفٌ في عِلْمه لا يعلم الغيب وينسى الماضي كثيرًا، ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً [الإسراء: 58] .

إن الإنسان لا يعلم الغيب لا في المستقبل ولا في الماضي البعيد ربما ينساه كثيرًا حتى في تصرّفاته الخاصة، يقول الله تبارك وتعالى: ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان: 34]، هل أنت تدري ماذا يكون لك في الغد ؟ إنك لا تدري ربما تعزم على الأمر ولكنّ الأمر لا يكون؛ لأن الله تعالى هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض .

إن الإنسان ضعيفٌ في تصوّره، ضعيفٌ في إدراكه، قد يتصوّر القريب بعيدًا والبعيد قريبًا والضّارّ نافعًا والنافع ضارًّا، ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [البقرة: 216] .

إن الإنسان لا يدري عن النتائج التي تكون عن تصرّفاته وأعماله؛ ومن أجل هذا أرسل الله الرسل وأنزل معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط فيسيروا على صراط الله المستقيم، وتثبت شرائع الله بين عباد الله، فلا يحتاجون إلى تشريعات من عند أنفسهم يسلكون بها مسالك المتاهات في الظلم والجور والنزاع والخلاف؛ ولذلك تجد قوانين الخلْق الوضعية، تجدها متناقضة، تجدها مختلفة، تجد فيها الظلم أحيانًا والمحاباة أحيانًا؛ ذلك لأنها مِن وضع البشر والبشر ضعيف على كل حال، فجاءت الشرائع - شرائع الله - عزَّ وجل - العالِمُ بمصالح عباده - جاءت منظّمة للناس، ليس في العبادة فحسب ولكنْ في العبادة والمعاملة والآداب والأخلاق، وكان أكمل تلك الشرائع وأشملها وأرعاها لمصالح العباد في كل زمان ومكان هذه الشريعة التي خَتَمَ الله بها الشرائع؛ لتكون شريعةً للخلق كافّةً ومنهج حياة شاملاً إلى يوم القيامة وهي الشريعة التي جاء بها محمد - رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، محمد خاتم النبيين، رسول الله تعالى إلى الخلق أجمعين، فجاءت الشريعة الإسلامية - ولله الحمد - تنظّم للناس العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق وهذا أمر يعرفه مَن سَبَرَ الشريعة الإسلامية وعرف أحوال الخلق وما يُصلحهم وما يضرّهم .

ولقد ضلَّ قوم عَموا أو تَعَاموا عن الحق؛ حيث زعموا أن الشريعة الإسلامية إنما تنظّم للناس العبادات والأخلاق دون جانب المعاملات وتنظيم الحياة فاتَّبَعوا أهواءهم في معاملاتهم واتَّبَعوا القوانين التي وضعها شياطين الخلق؛ ليضلّوا بها الناس عن شريعة الله، أَفَلا يعلم هؤلاء الذين عَموا أو تَعَاموا أن في الشريعة الإسلامية نصوصًا كثيرةً وافيةً في تنظيم المعاملات في كتاب الله وفي سنَّة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل إن أطول آية في القرآن كانت في المعاملة بين الناس في بيعهم وشرائهم الحاضر والمؤجّل وبيان وسائل حفظ ذلك من كتابة وإشهاد ورهن وهي التي تسمّى: آية الدَّيْن، واقرؤوها إن شئتم في آخر سورة البقرة، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ الآية [البقرة: 282]، أفَلَيس هذا أكبر دليل على أن الشريعة الإسلامية تنظيم للعبادة وتنظيم للمعاملة ؟ ففي العبادات أمر ونهي وفي المعاملات أمر ونهي وفي العبادات ترغيب وترهيب ووعد ووعيد وفي المعاملات كذلك ترغيب وترهيب ووعد ووعيد، يقول الله تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً [الإسراء: 35]، فهذا ترغيبٌ في العدل، ويقول جلَّ وعلا: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [المطففين: 1-3]، وهذا ترهيبٌ من الجور .

فكما أن على المؤمن أن يسير في عباداته على الحدود الشرعية بلا تجاوز ولا تقصير فكذلك يجب عليه أن يسير على الحدود الشرعية في معاملة الناس من بيع وشراء، وتأجير واستئجار، وإرهان وارتهان، وبذل وأخذ وغير ذلك؛ لأن الكلّ شريعة الله، فهو مسؤول عن المعاملة بين الناس كما هو مسؤول عن عبادة الله، واقرؤوا قول الله تعالى: ﴿فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف: 6-7]، واقرؤوا قول الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ (65) فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَسَاءَلُونَ [القصص: 65-66] .

فيا عباد الله، يا عباد الله، يا مَن تؤمون بالله ورسوله، اتَّقوا الله تعالى وأجْمِلوا في الطلب، أجْمِلوا في طلب المال؛ أي: اطلبوه طلبًا جميلاً، سيروا في طلبه على هدى ربكم لا على أهواء أنفسكم، ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك: 22]، إن مَن يمشي على صراط مستقيم سويًّا هذا هو الذي على الهدى، وأما مَن يسير مُكِبًّا على وجهه فإنه لن يهتدي، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «إن الله قسَمَ بينك أخلاقكم كما قسَمَ بينكم أرزاقكم وإن الله يُعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب ولا يعطي الدِّين إلا مَن يحب»، فمَن أعطاه الله الدِّين فقد أحبّه.

أسأل الله أن يجعلني وإياكم من هؤلاء .

قال في الحديث: «لا والذي نفسه بيده، لا يُسلم عبد حتى يُسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمَن جاره بوائقه، قالوا: وما بوائقه يا نبي الله ؟ قال: غُشْمه وظلمه، ولا يكسب عبد مالاً من حرام فيُنفق منه فيبارك له فيه، ولا يتصدّق به فيُقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار» فبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث ما فيه العبرة وقال في آخره: «إن الله لا يمحو السيئ بالسيئ ولكنْ يمحو السيئ بالحسَن، إن الخبيث لا يمحو الخبيث»(1) .

ففي هذا الحديث عبرة لِمَن كان له قلب؛ لأنه يدل بوضوح على أن كثرة الدنيا وتنعيم العبد بها ليس علامة على أن الله يحبه؛ فإن الله يعطي الدنيا مَن يحب ومَن لا يحب، وهاهم الكفار يتمتّعون بِما يتمتّعون به من الدنيا وهم أعداء الله وموضع سخطه وبُغْضه ولكنّ العلامة على محبّة الله للعبد هو: الدِّين الذي يلتزم به العبد شرائعَ الله في عباداته ومعاملاته وآدابه وأخلاقه، فإذا رأيت الرجل ذا دين فإن الله يحبّه؛ لأن الله لا يعطي الدِّين إلا مَن يحب كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [آل عمران: 31] .

وهذا الحديث يدل بوضوح على أن مَن كسب مالاً على وجه مُحرَّم فهو خاسر مهما ربح؛ لأنه إما أن ينفق هذا المال في حاجاته الدنيويّة وإما أن يتصدّق به لطلب ثواب الآخرة وإما أن يبقى بعده بدون إنفاق ولا صدقة، وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكْمَ هذه الثلاث «بأنه إن أنفقه لم يُبارَك له فيه وإن تصدّق به لم يُقبل منه وإن بقي بعده كان زاده إلى النار»(2) .

هذه - أيها الإخوة - نتائج مَن اكتسب المال بطريق مُحرّم، أضِف إلى ذلك أن قلبه مبْتلى بمرض الطمع ويحترق قلبه في طلب المال واستمع إلى قول النبي - صلى الله عليه وسلم - الثابت عنه في الصحيحين، يقول: «إن أكثر ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من بركات الأرض، قيل: يا رسول الله، وما بركات الأرض ؟ قال: زهرة الدنيا، ثم قال: إن هذا المال خضرة حلوة مَن أخذه بحقه ووضعه في حقه فنِعم المعونة هو، وإن أخذه بغير حقه - أو قال: ومَن لم يأخذه بحقه - كان كالذي يأكل ولا يشبع وكان عليه شهيدًا يوم القيامة»(3)، أخذُ المال بحقه: أن يكتسبه بطريق مباح، وأخذُ المال بغير حقه: أن يأخذه بطريق غير مباح، والميزان لكون الطريق مباحًا أو غير مباح ليس الهوى النفسي ولا القانون الوضعي وإنما هو: كتاب الله وسنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، فما أحلّه الله ورسوله فهو الحق وما حرَّمه الله ورسوله فهو غير الحق .

وصدَقَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبرهنت الوقائعُ على صدْقِه؛ فإن الناس يشاهدون مَن يكتسب المال عن طريق مُحرّم قد ملأ صدره الطمع وأحرق نفسه الشح، أيديهم مملوءة من المال لكنّ قلوبهم خالية منه، يقول الناس إنهم أغنياء وهم أشدّ في طلب المال من الفقراء؛ لأنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كالذي يأكل ولا يشبع»(4) .

إن الناس يشاهدون آكل الربا لا يقلعُ عنه ولا يفترُ في طلبه، يشاهدون المتحيِّلين على الربا بالعقود الصوريّة التي لا حقيقة لها وإنما المقصود بها: التوصّل إلى الربا وقد زُيّن لهم سوء أعمالهم فرأوه حسنًا، لا يَرْعون عن التحيّل ولا يتوانون في ذلك .

يشاهدون مَن يكذب في السلعة أو في ثمنها يشاهدونه مُنهمكًا في عادته السيئة لا يقلع عنها .

يشاهدون مَن يعامل بالغِش والتغرير والتمويه على الناس لا يزال مستمرًّا في عمله .

يشاهدونه مَن يأخذ الرشوة على أعماله الملزَمِ بها من قِبَل الوظيفة فيتوانى في القيام بعمله حتى يُضطر الناس إلى بذل الرشوة له، يشاهدون هذا مشغوفًا بعمله مُنهمكًا فيه .

يشاهدون مَن يربحون من وراء المناجشات في المساهمات العقاريّة في الأراضي أو غيرها لا يتورّعون عن الكسب بهذه الطريق المحرّمة: ترى الواحد منهم يزيد في قطع الأراضي من الأرض التي له فيها شركة لا لغرض في القطعة ولكنْ من أجل أن يرفع ثمنها ليزيد ربحه الذي هو في الحقيقة خسران .

يشاهدون مَن يكتسبون المال عن طريق الميسر إما غانِمًا وإما غارمًا وينهمكون في ذلك فكيف يليق بالمؤمن وهو يعلم بهذه العقوبات ويشاهد تلك النتائج السيئة أن يسعى لكسب المال عن طريق مُحرّم ؟ كيف يرضى المسلم أن يخسر دينه من أجل الكسب الظاهري في دنياه ؟ كيف يليق به أن يجعل الوسيلة غاية والغاية وسيلة ؟ ألَمْ يعلم أن المال وسيلة لقيام الدِّين والدنيا وأن اكتسابه بطريق المحرّم هدْمٌ للدين والدنيا .

اللهم إنا نسألك أن تجعل رزقنا رزقًا طيِّبًا تُغنينا به عن خلقك ولا تغنينا به عنك يا رب العالمين .

فاتَّقوا الله أيها المسلمون ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132] .

وفَّقني الله وإياكم للبصيرة في دينه والعمل بِما يرضيه، وحمانا من أسباب سخطه ومعاصيه، وغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين؛ إنه هو الغفور الرحيم .

الخطبة الثانية

الحمدُ لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأوّلين والآخرين، وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله خاتم النبيِّين وإمام المتّقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين .

أما بعد:

أيها الإخوة، لقد سمعتم خطر الذين يكتسبون المال بطريق مُحرّم وأنواع الطرق المحرّمة كثيرة ومن ذلك: التمويه على الأنظمة - على أنظمة الحكومة - للاستفادة من صندوق التّنمية العقارية أومن إقراض المزارعين أو غير ذلك؛ فإن بعض الناس يستعير اسمًا ليس اسمًا له؛ من أجل أن يستفيد؛ لأنه لا ينطبق عليه النظام في الاستفادة من الصندوق ولكنّه يتحيَّل على ذلك أو يتحيَّل عن طريق آخر: يكتبُ عقدًا صوريًّا بأن فلانًا باع عليه القطعة الفلانية؛ من أجل أن يقدّمها إلى صندوق التّنمية العقارية، أو يستحيل على إدخال الهاتف إلى بيته بأن يعقد عقدًا صوريًّا إجارةً من شخص وهو لم يستأجر؛ من أجل أن يحصل على إدخال الهاتف إلى بيته، كل هذه المعاملات الملتوية، كل هذه المعاملات المكذوبة، كل هذه المعاملات التي يتحيَّل بها الإنسان على أنظمة الدولة التي يجب اتّباعها؛ لأنها ليست معصية لله، كل هذا كذب وخيانة .

فعليكم - أيها الإخوة - أن تتّقوا الله تعالى، هل تعلمون أنكم معمَّرون في هذه الدنيا ؟ كم من إنسان عمر بيتًا ولم يسكنه ! وكم من إنسان كُتب في الصندوق العقاري ولم يدركه ! وكم من إنسان قدّم في الهاتف ولكنّه لم يصل إليه حتى حُمِل على الأعناق إلى المقبرة !

فاتَّقوا يا عباد الله، اتَّقوا الله وأجْمِلوا في الطلب؛ إنه لا يُنال رزق الله تعالى بمعاصيه وإنما يُنال رزق الله بتقوى الله - عزَّ وجل - كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 2-3] .

ومن العجب الذي لا ينقضي أن الناس يشاهدون الأحياء يرتحلون إلى القبور بين عشيّة وضحاها، يشاهدون الفقراء والتجّار، يشاهدون الأذكياء المتحيّلين وغيرهم ولكنّهم لا يَرْعوون؛ إن القلوب قاسية، نسأل الله تعالى أن يُلين قلوبنا لذكْره والإيمان به وخشيته؛ إنه على كل شيء قدير .

اتَّقوا الله عباد الله، إن الدنيا ليست دار قرار، إن القرار هي دار الآخرة، فاعملوا لها، وإنكم إذا اتّقيتم الله جعل لكم من أمركم يسرًا كما قال الله تبارك الله تعالى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق: 4] .

واعلموا - أيها الإخوة - أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة - يعني: في الدين - بدعة، وكل بدعة ضلالة، فعليكم بالجماعة، عليكم بالجماعة وهي: الاجتماع على دين الله، وهي: الاجتماع على طريق السلف الصالح، عليكم بالجماعة؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النار، وأكْثروا - أيها الإخوة - من الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن الله أمركم بذلك حيث قال تبارك وتعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب: 56] .

 إن المصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحصل على فوائد ثلاث عظيمة:

أوّلها: امتثال أمر الله عزَّ وجل؛ فإن الله أمرنا أن نصلي ونسلّم عليه .

والثاني: وفاءُ حق النبي صلى الله عليه وسلم، بل وفاء شيء من حق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن حق النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا أعظم من حقوق آبائنا وأمهاتنا بل إنه يجب علينا أن نقدّم محبّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - على النفس والولد والوالد والناس أجمعين .

الفائدة الثالثة: الثواب العظيم؛ «فإن مَن صلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - مرَّة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا»(5) .

أكْثروا - أيها الإخوة - من الصلاة والسلام على رسول الله، أكْثروا من ذلك كثيرًا ولا سيما في يوم الجمعة .

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد النبي الأمّيّ، اللهم ارزقنا محبّته واتّباعه ظاهرًا وباطنًا، اللهم توفّنا على ملّته، اللهم احشرنا في زمرته، اللهم أسْقنا من حوضه، اللهم أدخلنا في شفاعته، اللهم اجمعنا به في جنّات النَّعيم مع الذين أنعمت عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين يا رب العالمين .

اللهم ارضَ عن خلفائه الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي هم أفضل أتباع المرسلين، اللهم ارضَ عن بقيّة الصحابة أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .

اللهم ارضَ عنّا معهم وأصْلح أحوالنا كما أصْلحت أحوالهم يا رب العالمين .

اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعزّ الإسلام والمسلمين وأذلّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين من اليهود والنصارى والمنافقين والملحدين يا رب العالمين .

اللهم احمِ بلادنا من شرِّ أعدائها، اللهم احمِ بلادنا من شرِّ أعدائها واحمِ جميع بلاد المسلمين، اللهم هيئ للمسلمين ولاة صالحين يقودونهم بكتابك وسنَّة رسولك محمد صلى الله عليه وسلم .

اللهم مَن كان من ولاة أمور المسلمين على غير الهدى والحق فيسِّره لذلك أو أبدله بخير منه يا رب العالمين .

اللهم هيئ لولاة أمور المسلمين بطانة صالحه تدلّهم على الحق وترغّبهم فيه وتُبيِّن لهم الباطل وتحذّرهم منه .

اللهم مَن كان من بطانة ولاة أمور المسلمين غير ناصحٍ لهم ولا لشعوبهم فأبْعِدْه عنهم واجعل في قلوبهم بغضه؛ حتى يُبعدوه عن بساط مجالسهم يا رب العالمين؛ إنك على كل شيء قدير، ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10] .

اللهم ارزقنا المحبَّة فيما بيننا وائتلاف القلوب واجتماع الكلمة يا رب العالمين .

اللهم صلِّ وسلّم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

---------------------

(1)    أخرجه أحمد رقم [3871]، والبخاري في [التاريخ الكبير] رقم [4/313]، والحاكم رقم [2/447]، والبيهقي في [الشعب] رقم [5524]، والبغوي في شرح السنة رقم [2030] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه .

(2)    أخرجه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في مسنده في مسند المكثرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعين، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، رقم [3490] ت ط ع .

(3)    جزء من حديث أخرجه البخاري رقم [1465] و [2842]، ومسلم رقم [1025] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

(4)    أخرجه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه، من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- في كتاب [الجهاد والسير] باب: النفقة في سبيل الله، رقم [2630]، وأخرجه أيضًا في كتاب [الرقاق] باب: ما يُحذّر من زهرة الدنيا والتنافس فيها، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، رقم [5947] ت ط ع .

(5)    أخرجه الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- في صحيحه في كتاب [الصلاة] باب: استحباب القول مثل قول المؤذن لِمَن سمعه ثم يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يسأل الله له الوسيلة، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، رقم [577] ت ط ع .