الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق أرسله بالعلم النافع والعمل الصالح ليظهره على الدين كله وأعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر شهادة له بصدقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وملكه وحكمه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بلغ ما أنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه صلى الله عليه وعلى آله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه وسلم تسليما كثيرا

البخاري وكتابه الصحيح ومكانتهما

أنت في البيت عندك صحيح البخاري مطبوع في مجلد، هل تعلم كم ظل سنوات يؤلف البخاري رحمه الله هذا الكتاب؟ لقد بقي سبع عشرة سنة، هذا الإمام الذي كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث يمر فيها كالسهم كما يقرأ أحدنا: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) [الإخلاص:1]، ثلاثمائة ألف حديث لا يختلط عليه فيها إسناد في إسناد ولا رجل مكان رجل، ولا متن مكان متن أبداً، يذكرون في ترجمته أن أبا زرعة الرازي ، وأبا حاتم الرازي كانا يجلسان بين يديه كما يجلس الصبي بين يدي شيخه، والبخاري يمر في العلل مرور السهم. فهذا الإمام الذي كان يحفظ ثلاثمائة ألف حديث يصنف كتابه في قرابة عشرين عاماً، أما في وقتنا الحاضر ففي كل ثلاث أو أربع ليال يخرج لأحدنا كتاب، وتراه يطبع جزءاً وراء جزءٍ وراء جزءٍ، ورحم الله الشيخ المطيري كان يقول: عندهم إسهاب في التأليف، لقد ظهر التحقيق من ثلاثين سنة، قلما تعرف اسم محقق جليل، كان المحققون قلة، أمثال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني ، والشيخ أحمد شاكر ، والشيخ محمود شاكر ، والشيخ محمد محيي الدين عبد الحميد ، ومحمد فؤاد عبد الباقي ، وعبد السلام هارون ، ومحمد أبو الفضل إبراهيم ، وعلي الجداوي ، ومحمد إبراهيم زايد، كانوا مجموعة يقومون بتحقيق الكتب، فقلما كنت تجد اسماً جديداً.. لماذا؟ لأنه لم يكن في ذلك الوقت شهادات علمية، كما هو الآن، فقد ملأت الشهادات الدنيا، وأصبح الوصول إلى الفائدة قريب

مرَّ محمد بن أبي حاتم الوراق مع شخص من أهل العراق ، وأنت تعرف أن أهل العراق كانوا ينتقصون الأفاضل، فسمع رجلاً يقول: إن البخاري لا يحسن أن يصلي؛ فتوجع من هذه الكلمة فنقلها إلى البخاري ، قال له: سمعت رجلاً بالعراق يقول: إن البخاري لا يحسن يصلي؟ فقال البخاري : لو شئت لسردت لك عشرة آلاف حديث في الصلاة قبل أن أقوم من مجلسي هذا. إذاً: الذي يحفظ عشرة آلاف حديث في الصلاة لا يحسن الصلاة.. كيف هذا؟! فالإمام البخاري صنف كتابه على أوسع القواعد العلمية المعروفة عند أهل الحديث، فنحن إذا علمنا كيف صنف البخاري رحمه الله كتابه، ثم كيف وضع أهل الحديث الموازين لنقد الرواية، وقبول الأخبار؛ لعلمنا عظمة المحدثين، ومدى قدر جميلهم على هذه الأمة، فأهل الحديث هم الذين تركوا أولادهم، وتركوا ديارهم، وتركوا ملذاتهم وشهواتهم من أجل تصحيح لفظة واحدة، فكيف بحفظ السنة كلها؟

المصدر

مقتبس من : شرح كتاب العلم من صحيح البخاري للحويني