الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق أرسله بالعلم النافع والعمل الصالح ليظهره على الدين كله وأعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر شهادة له بصدقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وملكه وحكمه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بلغ ما أنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه صلى الله عليه وعلى آله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه وسلم تسليما كثيرا

الذنوب تحدث الفساد في الأرض

الذنوب تحدث الفساد في الأرض

ومن آثار الذنوب والمعاصي : أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء ، والزرع ، والثمار ، والمساكن ، قال تعالى : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون [ سورة الروم : 41 ] .

 

قال مجاهد : إذا ولي الظالم سعى بالظلم والفساد فيحبس الله بذلك القطر ، فيهلك الحرث والنسل ، والله لا يحب الفساد ، ثم قرأ : ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون [ سورة الروم : 41 ] .

 

ثم قال : أما والله ما هو بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء جار فهو بحر ،

 

وقال عكرمة : ظهر الفساد في البر والبحر ، أما إني لا أقول لكم : بحركم هذا ، ولكن كل قرية على ماء .

 

وقال قتادة : أما البر فأهل العمود ، وأما البحر فأهل القرى والريف ، قلت : وقد سمى الله تعالى الماء العذب بحرا ، فقال : وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج [ سورة فاطر : 12 ] .

 

وليس في العالم بحر حلو واقف ، وإنما هي الأنهار الجارية ، والبحر المالح هو الساكن ، فسمى القرى التي عليها المياه الجارية باسم تلك المياه .

 

وقال ابن زيد ظهر الفساد في البر والبحر قال : الذنوب .

 

قلت : أراد أن الذنوب سبب الفساد الذي ظهر ، وإن أراد أن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها فتكون اللام في قوله : ليذيقهم بعض الذي عملوا لام العاقبة والتعليل ، وعلى الأول فالمراد بالفساد : النقص والشر والآلام التي يحدثها الله في الأرض عند معاصي العباد ، فكلما أحدثوا ذنبا أحدث الله لهم عقوبة ، كما قال بعض السلف : كلما أحدثتم ذنبا أحدث الله لكم من سلطانه عقوبة .

 

والظاهر - والله أعلم - أن الفساد المراد به الذنوب وموجباتها ، ويدل عليه قوله تعالى : ليذيقهم بعض الذي عملوا فهذا حالنا ، وإنما أذاقنا الشيء اليسير من أعمالنا ، ولو أذاقنا كل أعمالنا لما ترك على ظهرها من دابة .

 

المعاصي سبب الخسف والزلازل

ومن تأثير معاصي الله في الأرض ما يحل بها من الخسف والزلازل ، ويمحق بركتها ، وقد مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ديار ثمود ، فمنعهم من دخول ديارهم إلا وهم باكون ، ومن شرب مياههم ، ومن الاستسقاء من آبارهم ، حتى أمر أن لا يعلف العجين الذي عجن بمياههم للنواضح ، لتأثير شؤم المعصية في الماء ، وكذلك شؤم تأثير الذنوب في نقص الثمار وما ترى به من الآفات .

وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده في ضمن حديث قال : وجدت في خزائن بعض بني أمية ، حنطة ، الحبة بقدر نواة التمرة ، وهي في صرة مكتوب عليها : كان هذا ينبت في زمن من العدل ، وكثير من هذه الآفات أحدثها الله سبحانه وتعالى بما أحدث العباد من الذنوب .

وأخبرني جماعة من شيوخ الصحراء أنهم كانوا يعهدون الثمار أكبر مما هي الآن ، وكثير من هذه الآفات التي تصيبها لم يكونوا يعرفونها ، وإنما حدثت من قرب .


المصدر : كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي للإمام ابن القيم