الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق أرسله بالعلم النافع والعمل الصالح ليظهره على الدين كله وأعطاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر شهادة له بصدقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وملكه وحكمه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي بلغ ما أنزل إليه من ربه على أكمل وجه وأتمه صلى الله عليه وعلى آله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه في هديه وسلم تسليما كثيرا

الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين

قال تعالي:

(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ( 58 )

سورة الأحزاب

من تفسير القرطبي

أذية المؤمنين والمؤمنات بالأفعال والأقوال القبيحة ، كالبهتان والتكذيب الفاحش المختلق .

وهذه الآية نظير الآية التي في النساء قال تعالي ( ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا )

 قوله تعالى : ومن يكسب خطيئة أو إثما قيل : هما بمعنى واحد كرر لاختلاف اللفظ تأكيدا .

وقال الطبري : إنما فرق بين الخطيئة والإثم أن الخطيئة تكون عن عمد وعن غير عمد ، والإثم لا يكون إلا عن عمد . وقيل : الخطيئة ما لم تتعمده خاصة كالقتل بالخطأ . وقيل : الخطيئة الصغيرة ، والإثم الكبيرة ، وهذه الآية لفظها عام يندرج تحته أهل النازلة وغيرهم .

والهاء في به للإثم أو للخطيئة . لأن معناها الإثم ، أو لهما جميعا . وقيل : ترجع إلى الكسب .

فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا تشبيه ؛ إذ الذنوب ثقل ووزر فهي كالمحمولات . وقد قال تعالى : وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم . والبهتان من البهت ، وهو أن تستقبل أخاك بأن تقذفه بذنب وهو منه بريء .

وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ؛ قال : ذكرك أخاك بما يكره . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته . وهذا نص ؛ فرمي البريء بهت له . يقال : بهته بهتا وبهتا وبهتانا إذا قال عليه ما لم يفعله . وهو بهات والمقول له مبهوت . ويقال : بهت الرجل ( بالكسر ) إذا دهش وتحير . وبهت ( بالضم ) مثله ، وأفصح منهما بهت ، كما قال الله تعالى : فبهت الذي كفر لأنه يقال : رجل مبهوت ولا يقال : باهت ولا بهيت ، قاله الكسائي ..

وقد قيل : إن من الأذية تعييره بحسب مذموم ، أو حرفة مذمومة ، أو شيء يثقل عليه إذا سمعه ؛ لأن أذاه في الجملة حرام .

وقد ميز الله تعالى بين أذاه وأذى الرسول وأذى المؤمنين فجعل الأول كفرا والثاني كبيرة ، فقال في أذى المؤمنين : فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا وقد بيناه .

 

من تفسير بن كثير

 

وقوله : ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا ) أي : ينسبون إليهم ما هم برآء منه لم يعملوه ولم يفعلوه ، ( فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا ) وهذا هو البهت البين أن يحكى أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه ، على سبيل العيب والتنقص لهم ، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة بالله ورسوله ، ثم الرافضة الذين يتنقصون الصحابة ويعيبونهم بما قد برأهم الله منه ، ويصفونهم بنقيض ما أخبر الله عنهم; فإن الله ، عز وجل ، قد أخبر أنه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم ، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبونهم ويتنقصونهم ، ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا ، فهم في الحقيقة منكوسو القلوب يذمون الممدوحين ، ويمدحون المذمومين.

 

 وقال أبو داود : حدثنا القعنبي ، حدثنا عبد العزيز - يعني ابن محمد - عن العلاء ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، أنه قيل : يا رسول الله ، ما الغيبة ؟ قال : " ذكرك أخاك بما يكره " . قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : " إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته " .

وهكذا رواه الترمذي ، عن قتيبة ، عن الدراوردي ، به . قال : حسن صحيح .